إهداء

.إلى من زرع الحب والحلم بين جفوني

أجمل البحار

.ذلك الذي لم يزره أحد بعد

أجمل الأطفال

.ذلك الذي لم يكبر بعد

أجمل أيامنا

.تلك التي لم نعشها بعد

أجمل الكلمات

.تلك التي لم أقلها بعد

26 June 2011

اكتبي... اكتبي.. أو موتي!


قبل الكتابة لم أكن
بعد الكتابة أصبحت

كان هناك دومًا عالم خارجي. لكن العالم صفر كبير إن لم يمر على وعينا الفردي، نصنع منه عندئذ ما نصنع، لكن ساعتها – ساعة ولادة الوعي – نصبح/نكون. لا أعني بالوعي هذه الشبكة الأولية من الأحاسيس التي يملكها كل البشر، التي يملكها الطفل ساعة ولادته وقبل أن يتكلم. أعني بالوعي تلك الشبكة الأكثر تعقيدًا التي تمر منها الأحاسيس الأولى فتتشكل أشياء/رؤية واضحة للعالم وللذات (وما الذات إن لم تحو في مركزها كل العالم).

ما كان يراودني كان دومًا غيمات مبهمة، أحاسيس كنت أظنها الحقيقة، يصاحبني وقتها شك أن هذه ليست بالحقيقة، وإنما مجرد كيان مبتور. وكان يحكم عالم تلك المرحلة "الآخر" وليس أنا. صدقت صورة رسمها لي الآخرون، ولسنوات كثيرة أخذت في حشر ذاتي داخل إطار الصورة المحددة سلفًا، يزينها عنوان "لا بد أن...". وفي عيد ميلادي الثلاثين أمسكت القلم وبدأت أحاور نفسي على الورق، ووجدتني أتسلل قليلاً بأصابعي خارج إطار الصورة المعنونة "لا بد أن...". لا بد أن تشعر بالأسف أو الندم أو الألم لأنك قد بلغت الثلاثين... أفلت منك ثلاثون عامًا وما هو آت ليس إلا عدًا تنازليًا.

لقد فقدت طعم الحياة عندما كنت الآخر ولم أكن أنا، ثم حررتني وبدأت ذاتي تتشكل كلمات فأفك الشفرة الهيروغليفية وأقرأ نفسي فيما أكتب، بدأت أعرف كيف أمسك الغيمات وأمتطيها، وأصادق ذاتي ولا أتبرأ منها.

بدأت أكتب، فبدأت أعرفني. رأيت الكتابة بابًا لجنة المعرفة. لكن الجنة ليست سهلة المنال، فكان "لا بد أن" أخوض نيران جحيم "دانتي" تحرقني نار حراب الشك المسلطة إليّ ويكويني لهيب الاختيار. فاخترت الحقيقة التي أصنعها أنا ولا يقدمها لي الآخرون على طبق الفضة القديم.

بدأت الحروف تتشكل أشباحًا، والأشباح تتململ من رقدتها، تتحرك، وتطلب حق الحياة. عرفت أن الماضي الجمعي/الأسطورة ليست مجرد قصة قديمة، بل هي حقيقة حية تعيش داخلنا إن استطعنا أن ننظر إلى الداخل بعدسة مكبرة. أفهمتني "إيزيس" أن داخلي (داخل كل امرأة) ترقد كاهنة المعبد، تلك المرأة التي تجسد قوة الآلهة، تمنح الرجل حياة جديدة وتمنح العالم بعثًا متجددًا. وعندما استيقظت كاهنة المعبد فيّ لمست نبع القوة داخلي وأدركت أنه بإمكاني أنا أيضًا أن أمنح الحياة بالكتابة.

وكما أن "إيزيس" ليست مجرد أسطورة، فالحلم أيضًا ليس هذيانًا، لكنه وجهنا الآخر الذي إما نقبله فنمنح هبة الحياة بالمعرفة أو نرفضه فنعيش مغتربين عن ذواتنا. عرفت من الكتابة أن الحلم هو باب المقدس داخلي وتعلمت أن أحترم عالم اللاوعي في عقلي.

الكتابة عندي هي فعل الحياة نفسه. أجد "إيزيس" تحدثني على لسان "هيلدا دوليتل" تحثني، بل تأمرني:

اكتبي.. اكتبي.. أو موتي.


( سحر الموجي)
في عدد قديم من مجلة نصف الدنيا