إهداء

.إلى من زرع الحب والحلم بين جفوني

أجمل البحار

.ذلك الذي لم يزره أحد بعد

أجمل الأطفال

.ذلك الذي لم يكبر بعد

أجمل أيامنا

.تلك التي لم نعشها بعد

أجمل الكلمات

.تلك التي لم أقلها بعد

27 September 2008

العنف العاطفي الموجه ضد الطفل: ترجمة مروة حسن عبد السلام



العنف العاطفي الموجه ضد الطفل
الوباء الخفي
مقال لـ: سوزان جاكوبي
ترجمة: مروه حسن عبد السلام

ذات يوم، وفي أثناء جلوسي بأحد الأندية وصل إلى سمعي صوت أم تنهر ابنتها بالمنضدة المجاورة لأنها ترفض أن تغطس بوجهها في المياه في أثناء درس السباحة. كانت الأم تتفوه بعبارات محبِطة للطفلة الباكية التي تعد عمرها على ثلاثة أصابع، مثل: "أنتي جبانة. كل أسبوع تصيبيني وأبيكِ بالخجل أمام الناس. لا أصدق أنكِ ابنتي".
مشهد مؤلم يثير الغضب في النفس. ومع هذا، لم أستطع أن أقول شيئًا للأم وإلا صرخت بوجهي كي لا أتدخل في شئون غيري. ولكن، مما لا شك فيه أن مشهدًا كهذا لا يقل إيلامًا عن مشهد إيذاء الطفل بدنيًا بالضرب. لهذا، يمكن أن نسمي هذه الحالة بالعنف العاطفي الموجه ضد الطفل.

تقول د. "إليزابيث واتكينز" مدير مركز الرعاية الأولية بإحدى المستشفيات الأمريكية: "على الرغم من أن عنفًا كهذا لا يخلف ورائه جروحًا وندبات على الجسم بحيث يمكن جمع إحصائيات بعدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف العاطفي، فإن أي شخص يتعامل مع الأطفال بصفةٍ مباشرة يعلم أن المشكلة منتشرة على نطاق واسع".

أجرى الطبيب النفسي الأمريكي "بايرون إيجلاند" عدة دراسات عن تربية الأطفال ونمو الطفل في المراحل الأولى من عمره، وذكر في دراساته أن الآثار الناتجة عن تعرض الطفل للعنف العاطفي لا تقل قسوة وتدميرًا عن العنف البدني. فهذا النوع من الأطفال يعاني قصورًا في تطور قدراته العقلية والنفسية مع تقدمه في العمر أكثر من الأطفال الذين يتعرضون للعنف البدني. ويرجع هذا إلى أن العنف العاطفي يدمر ثقة الطفل بنفسه بصفة مستمرة. وأركز هنا على كونه يتم بصفة مستمرة.

ومثال على ذلك، الأم التي سمعتها تنهر ابنتها بقولها: "كل أسبوع تصيبيني وأبيكِ بالخجل أمام الناس. لا أصدق أنك ابنتي". فهذه الكلمات لا تقولها الأم لأن يومها كان صعبًا وثقيلاً أو أن ثمة مشكلة تواجهها وتنغص عليها حياتها، بل لأنها أم اعتادت أن تؤذي ابنتها الصغيرة عاطفيًا.

إن هؤلاء الآباء والأمهات لا ينبع مثل هذا التصرف عنهم نتيجة لفشل الطفل في القيام بشيء ما، بل لأنهم هم شخصيًا يعانون مشاكل نفسية حادة. فسواء أكان الأبوان ينتميان لعائلة فقيرة أم غنية، قد نجد أنهم حُرموا من الحب والحنان الأبوي.

للأسف، لا يلاحظ أحد أن سلوك الطفل لا يرتبط بالضرورة بتصرفات أبويه. فالآباء الذين اعتادوا إيذاء طفلهم عاطفيًا قد يشعرون مثلاً أن طفلهم يبكي ليس كوسيلة للتعبير عن جوعه أو خوفه، ولكن لأنه شقي أو سيء الخلق أو لكي يضايقهم. وقد أشار الطبيب النفسي "جاي ليفر" إلى الطرق الثلاث التي قد يؤذي بها الآباء أطفالهم عاطفيًا وهي: (1) الحرمان والتجاهل، (2) عدم التقدير، (3) الخضوع لسلطة الأبوين. قد يمارس الأبوان إحدى هذه الطرق أو كلها للتنفيس عن صراعاتهما النفسية ولتجنب مواجهة المتاعب والضغوط الحقيقية التي تواجههما عند تربية الأطفال.

الحرمان والتجاهل
نادرًا ما يعير الآباء الغائبون من الناحية النفسية أي اهتمام لطفلهم إذا بكى، كما لا يكترثون بنموه. ونتيجة لذلك، يفشل أطفالهم في تكوين ما اتفق أطباء النفس على تسميته بالتعلق غير المَرَضي بالأبوين. فعندما يحتاج الطفل إلى دفعة من الثقة بالنفس، فإنه يلجأ إليهما أولاً ثم إلى غيرهما من البالغين المهتمين بأمره. يقول أحد أطباء علم النفس: "إن الطفل الذي يتعرض للعنف البدني يتجنب ولي أمره خوفًا من أن يتعرض للضرب. وكذلك الطفل الذي يتعرض للعنف العاطفي يفعل الأمر نفسه تفاديًا لشعور الإحباط الناتج عن الرفض والتجاهل والحرمان. إن غياب الأبوين عاطفيًا يدمر نفسية الطفل، حيث إن الطفل حينئذٍ لا يحصل على أي من المكافآت أو وسائل الدعم والتشجيع عن حبه للاستطلاع وتقدمه في النمو وتفوقه. فلنتخيل رد فعل أبوين يعاملان طفلهما بشكل طبيعي حين يخطو أولى خطواته. ستجد هذا اليوم مخلدًا في ذاكرتهما ويصبح سببًا لهما كي يتفاخرا به أمام الناس. أما في بيت يسوده الغياب العاطفي، يتجاهل الأبوان مثل هذه الأشياء. فحتى إذا لاحظ أحد الأبوين أو كلاهما إنجازًا جديدًا حققه الطفل، يكون ذلك ممزوجًا بمشاعر نفاد الصبر، على الرغم من أن الطفل الذي يتعلم المشي لأول مرة لا يحتاج منهما سوى بعض الانتباه والاهتمام.

عدم التقدير
في بعض العائلات، يتحد الأبوان - دون وعي - في التقليل من قيمة إنجازات الطفل مستخدمين لتحقيق ذلك الكلمات الجارحة وتهميش إنجازاته وعقابه بشكل مبالغ فيه على أي سلوك غير قويم. وفي عائلات أخرى، يتولى أحد الأبوين هذه المهمة دون أن يحاول الآخر التدخل بأي شكل من الأشكال.

إن الكلمات التي تقال في المطلق مثل "دائمًا" و"أبدًا" و"قط" التي يقصد بها الإشارة إلى أن الطفل عاجز عن تحقيق أحلام الأبوين هي ما يمكن أن يوضح لنا الفرق بين أبوين اعتادا على الدوام إيذاء طفلهما عاطفيًا وبين أبوين ينتقدان تصرفات طفلهما من آن لآخر بأسلوب ينم عن غضبهما أو يأسهما أو إحباطهما. وشاهد على ذلك، إحدى مهندسات الكمبيوتر التي تبلغ من العمر 26 عامًا وتقول إن علاقتها بأبيها كانت محبِطة؛ إذ اعتاد أن يدمر ثقتها بنفسها بقوله إنها نحيلة القوام وأن وجهها مفروش بالنمش وما من رجل يحب امرأة بهذه المواصفات. حتى اليوم بعد أن كبرت هذه الفتاة مازالت لا تصدق أي رجل يبدي تعليقًا لطيفًا على جمالها، وبدلاً من ذلك تسمع صوت أبيها يرن في أذنيها على الدوام.

في العائلات من الطبقة المتوسطة والتي يتميز أفرادها بدرجة كبيرة من الطموح والنجاح، نجد أشهر أنواع العنف العاطفي متمثلاً في التقليل من أهمية أي إنجاز لا يرقى إلى مستوى الكمال. كأن يعاقب الأبوان طفلهما لحصوله على 48 من 50 في إحدى المواد الدراسية بدلاً من حصوله على الدرجة النهائية. تقول د. "جيري بول" الطبيبة بإحدى المستشفيات الأمريكية: "إن الآباء المثاليين تكون لهم في أطفالهم طموحات وأحلام تفوق الحد، فلا يكادون يطيقون الانتظار حتى يخطو طفلهم أولى خطواته أو يدخل الحمام وحده". وتضيف: "وبالتالي، يصبح السلوك الطبيعي عيبًا في الطفل وفشلاً من جانب الأب أو الأم".

الخضوع لسلطة الأبوين
إن استخدام الأبوين للتهديدات المستمرة لدفن الفضول الطبيعي لدى الطفل نوع آخر شائع من أنواع العنف العاطفي. ونقصد هنا بفكرة الخضوع سيطرة الأب أو الأم الكلية على جميع تصرفات الطفل، فيحذراه مثلاً بأنه سيموت إذا حاول الخروج من البيت إلى الشارع دون إذنهما.

جدير بالذكر أن جميع الآباء يحاولون فرض سيطرتهم على الطفل من نواح عدة عن طريق تحديد قواعد السلوك وغرس قيم معينة لديه. بيد أن ثمة فارقًا كبيرًا بين السيطرة عن طريق التعليم والتربية وبين السيطرة بفرض القسوة على الطفل. فالأب أو الأم اللذان يفرضان سيطرتهما على الطفل يجبرانه على الانصياع لأوامرهما بالإرهاب والتخويف. في بعض الحالات، يؤدي هذا الأسلوب في التربية إلى تولُد النية والتصميم لدى الطفل على تجنب اتباع الأسلوب نفسه مع أطفاله عندما يكبر ويتزوج وينشئ أسرة. بيد أن الأمر يختلف تمامًا حين يكبر الطفل بالفعل وتظهر المشاكل الحقيقية حين ينجب. إن حل هذه المشكلة يتمثل في العلاج النفسي الذي يجمع كل أفراد الأسرة. يقول د. "ليفر": "عندما يتعرض الطفل للعنف العاطفي، لا يمكن حل المشكلة بنجاح بالتعامل مع الطفل وحده. فما إن يدرك الأب أو الأم أن أسلوبهما في التعامل مع طفلهما غير سليم، فإن ذلك كفيل بأن يجعلهما يشتركان مع الطفل في العلاج".


في حقيقة الأمر، إن سلبية الأطراف الأخرى خارج نطاق الأسرة - بما في ذلك الأصدقاء والأقارب - يشجع استمرار الأبوين في انتهاج هذا الأسلوب المجحف في التربية. فتقول د. "جيري بول": "إن الأطفال الذين يتعرضون للعنف العاطفي من قبل آبائهم يتصورون أنهم يستحقون مثل هذه المعاملة. كما أن صمت وسلبية الكبار من الأقارب وغيرهم يقوي هذا الإحساس لدى الطفل. فيشعر أنه بالفعل فاشل وجبان".
لهذا، أدركت أن صمتي وعدم تدخلي حين سمعت الأم تنعت ابنتها بالجبن كان تصرفًا غير مناسب. كان يجب أن أقول شيئًا مثل: "كلنا لدينا ما نخشاه، ولا داعي لأن نخجل من ذلك". إن شيئًا كهذا كفيل بأن يقنع الطفل بأن هناك من يعترض على أسلوب أمه أو أبيه. وهذا أمر غاية في الضرورة لأن الطفل ينجو بالفعل من حالات العنف العاطفي إذا وجد صدرًا آخر حانيًا، كمعلمته في الفصل أو أحد أقاربه الذي يجعله يشعر بأهميته وبقيمته على الرغم مما يقوله أبويه.

إذا كنت أبًا أو أمًا، سل نفسك هذه الأسئلة:

 هل أتعامل بعنف وغضب مع طفلي؟
 هل أرى صفات في طفلي أجدها في فرد أكرهه في عائلتي؟
 هل أقارن طفلي بأطفال آباء آخرين بحيث لا تصبح المقارنة لصالح طفلي؟
 هل أبدي عدم المبالاة عندما يمدح أحد طفلي؟
 هل تخجلني تصرفات طفلي على الدوام؟

إذا كانت إجابتك عن هذه الأسئلة بنعم، فأنت في حاجة لاستشارة أحد المتخصصين النفسيين. لا شك أنه سيقدم لك العون كي تنشئ طفلاً مفيدًا للمجتمع بارًا بوالديه حين يكبر.