إهداء

.إلى من زرع الحب والحلم بين جفوني

أجمل البحار

.ذلك الذي لم يزره أحد بعد

أجمل الأطفال

.ذلك الذي لم يكبر بعد

أجمل أيامنا

.تلك التي لم نعشها بعد

أجمل الكلمات

.تلك التي لم أقلها بعد

07 January 2011

عصر العلم أم عصر الخرافات؟: ترجمة مروة حسن عبد السلام


ترجمة: مروة حسن عبد السلام


الخرافة هي أشبه بصورة من صور السحر ما زالت موجودة ومتغلغلة في عصرنا الحالي. وهي تقوم على معتقد قديم بأن ثمة قوى غيبية غير مرئية في الكون (غالبًا ما تكون شريرة) تلعب دورًا نشطًا – وإن لم يكن دائمًا إيجابيًا – في حياتنا، وتتحكم في مصائرنا، ما لم نتخذ إجراءات معينة لإتقاء شر هذه القوى. وهذا يفسر لجوء الإنسان أحيانًا إلى التعاويذ والتمائم والرُقَى. في الماضي البعيد، كان الناس يسعون إلى استرضاء هذه القوى المجهولة بأداء طقوس بسيطة ما زال بعضها (مثل إمساك الخشب خوفًا من الحسد، أو الدق عليه تفاؤلاً، أو إلقاء الملح خلف الكتف اليسرى) موجودًا كجزء من حياتنا اليومية في هذا العصر الذي نصفه بأنه عصر العلم والمعرفة.

نشأة الخرافات

بدأت الخرافات حين حاول أجدادنا القدامى منذ قرون طويلة تفسير الظواهر الغريبة والغامضة اعتمادًا على قدر المعرفة الضئيل الذي كانوا يمتلكونه آنذاك. فمثلاً، قبل أن يفسر العلم سبب ظهور انعكاس صورتنا في المرآة ظن الناس أن الصورة المنعكسة جزء من روحهم. فإذا حطم أحد المرآة، كان يُعتقد أن هذا يؤذي الروح. ولكننا صرنا نعلم الآن أن هذا غير حقيقي. ومع هذا، لم يزل إلى اليوم هناك أشخاص يعتقدون أن كسر المرآة يجلب الحظ التعس.

شكلت الخرافات جزءًا لا يتجزأ من معتقدات الوثنين. فقبل ظهور الإسلام، كان العرب يؤمنون بالكثير من الخرافات التي تحكمت في حياتهم وأنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أن زيادة نسبة الأمية واستمرار اعتناق الموروثات القديمة وانتشار الأمثال الشعبية التي يرتبط بعضها بهذه الخرافات ساعد في تفشي الخرافات التي ولدت لديهم مشاعر الخوف والشك وحرمتهم من التفكير العقلاني المنطقي، فصاروا ينسبون أي حدث في حياتهم إلى قوة شريرة مجهولة تتربص بهم. ثم ظهر الدجالون والمشعوذون الذين يدعون المعرفة والتنبؤ بالمستقبل والقدرة على علاج الأمراض وطرد الأرواح، فاستغلوا بسطاء الناس الذين لم يدركوا أن كل ما يصيبنا من خير أو من شر فهو من عند الله، وأنه ما من قوى أخرى قادرة على توجيه مصائر البشر أو إيذائهم إلا بإذن الله.

لقد ساعدت التفسيرات الخرافية الإنسان البدائي في فهم وتفسير ظاهرة الأحلام والموت. فقد كان يُعتقد أن للكائن الحي القدرة على ترك الجسم والتجول في أماكن بعيدة ثم العودة إليه، وفي هذا تفسير للأحلام . كما أن له القدرة على مغادرة جسم الإنسان وعدم العودة إليه، وفي ذلك تفسير للموت.

ويزداد انتشار الخرافات كلما زادت ظروف الحياة صعوبة؛ أي أن الخرافات والمعتقدات الخاطئة تكثر وتعم وتنتشر بانتشار حالات القلق والاضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة المشكلات الحياتية ومخاطرها. لهذا، يمكننا الجزم بأن التفكير الخرافي يؤدي أساسًا وظيفة نفسية يلجأ إليها الأفراد عندما لا يجدون وسيلة مُثلى لتفسير الأشياء من حولهم تفسيرًا منطقيًا.

الخرافة في الثقافات المختلفة

لطالما كانت الخرافات والخزعبلات جزءًا من حياة الإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض، بل وجزءًا من حضارته وثقافته أيًا كان مكانه. يقول الطبيب النفسي "إدوارد هورنيك": "الطقوس أمر ضروري بالنسبة للإنسان لأنها وسيلة للشعور بالأمان والطمأنينة وتساعده في التعبير عن مشاعر الشك والخوف وتريحه من القلق". قياسًا على هذا، نجد تشابهًا كبيرًا بين الطقوس الخرافية والطقوس الدينية، مثل ارتداء آيات قرآنية أو صلبان حول الرقبة، أو تعليق صور دينية على الجدران. هذا غير أن الخرافات تحتمي أحيانًا وراء بعض المفاهيم الدينية والعقائدية، مثل زيارة أولياء الله الصالحين والدعاء أن يعالجوا مريضًا أو يقضوا حاجة ما.

هل تعلم عدد الخرافات في أنحاء العالم؟ ثمة موسوعة ألمانية مكونة من عشرة أجزاء ترصد الملايين من الخرافات التي ما زالت تشوب حياتنا المعاصرة، والتي منها: التشاؤم من سكب الملح أو السير تحت أو وراء سلم خشبي، والتفاؤل بتشابك أصابع اليد أو بتعليق حدوة الحصان على باب المنزل.

في الحقيقة، تعد الطقوس الخرافية ظاهرة راسخة في العديد من ثقافات العالم. ففي دول البحر المتوسط مثلاً، يترسخ إيمان قوي بوجود ما يسمى بـ "العين الشريرة". تنبع هذه الخرافة من الاعتقاد بقدرة شخص غيور وحاسد على التسبب في إيذاء شخص آخر من مجرد نظرة عين. والإجراءات العادية التي يتبعها الناس ليتقوا شر هذه العين الحاسدة هي بتجنب التباهي أو التفاخر بالإنجازات أو الممتلكات (اتباعًا للمثل القائل: داري على شمعتك تضيء)، بما أن التباهي يجذب انتباه الآخرين وحسدهم. وأحيانًا يعلقون على صدورهم أو في سياراتهم خرزة زرقاء أو عين زجاجية إلهاءً لعين الحاسد وحماية من شر عينه وتحصينًا لحاملها من الحسد. أو يفرد البعض كف اليد في وجه من يظنون أنه يضمر لهم الحسد وينطقون بكلمة "خمسة وخميسة" أو أية كلمة مرتبطة بها مثل "اليوم الخميس" أو "اليوم خمسة من الشهر". ولكن العين الشريرة ليس سببها الحسد وحسب. بل ومن الممكن أن يتسبب الإعجاب الشديد بأحد في إنزال شر ما به. لهذا السبب، يغطي الآباء بسرعة أولادهم حديثي الولادة عندما يمتدح أحد الزائرين من الأقارب أو الأصدقاء جمالهم.

كذلك، تؤمن الكثير من المجتمعات العربية بأن "رفة" العين اليسرى دليل على قدوم خبر سيئ، وأن دخول مكان ما بالقدم اليسرى يجلب سوء الحظ، وأن استخدام المقص في الليل يعذب الموتى في قبورهم، وأن اللعب بالمقص يجلب الخلافات الزوجية، وأن تعليق فردة حذاء قديمة على أبواب المنازل وفي السيارات يجلب الرزق، وأن لضم الإبرة وقت الغروب يجلب الحظ التعس، وأن ترك نعل الحذاء مقلوبًا على ظهره يجلب الفقر، وأن الكنس ليلاً أو إلقاء مياه ساخنة في البالوعات يزعج الجن، وأن سماع نعيق الغراب أو البومة يجلب الشقاء والموت وخراب الديار وطول فراق الأحباب، وأن القط نذير شؤم، وأن الكلب مرتبط بالجن والشياطين والأرواح الشريرة، وأن دخول الحائض أو الباذنجان الأسود أو اللحم النيئ على امرأة مرضع يؤدي إلى انقطاع اللبن أو إصابة المولود بمكروه، وأن رش الملح على عتبة الدار أو تلطيخ الجدار بخمسة أصابع من دم الخروف يطرد الشياطين ويدفع عين الحسود، وأن كسر عود في مجلس عقد النكاح يبطل النكاح، وأن رؤية شخص معين يجلب الشؤم (من الناس من يربط بين ما يواجهه خلال يومه بأول إنسان رآه عندما استيقظ).

في أمريكا الشمالية (وربما في كثير من دول العالم الأخرى التي استوردت هذه الخرافة)، يعتبر الرقم 13 جالبًا للحظ السيئ لدرجة أن الفنادق تتجنب ترقيم الطابق الثالث عشر بهذا الاسم نظرًا لكراهية الناس لهذا الرقم، بل وكذلك لا تسمي أية غرفة لديها برقم 13. كما أنك ستندهش إذا علمت أنه حتى عهد قريب كانت بعض شركات الطيران ترفض إطلاق رحلة بهذا الرقم أو حتى أن يحمل أي صف في الطائرة رقم 13. وبعض المستشفيات الكبيرة التي تحوي العديد من الغرف تفعل الشيء نفسه، فيرقمون 12 ثم 14 بعدها مباشرةً. ترجع جذور هذه الخرافة إلى أصول مسيحية حيث العشاء الأخير الذي كان فيه يهوذا الإسخريوطي (خائن المسيح) الضيف رقم 13 على العشاء.

ولكن لا يعتبر الرقم 13 نذير شؤم في بعض الحضارات القديمة، مثل الحضارتين الفرعونية والصينية. فقد كان المصريون القدماء يؤمنون بارتقاء الروح الذي يتم على مراحل، 12 في هذه الحياة والثالثة عشر بعد الموت حيث حياة الخلود. لذلك كان الرقم 13 رمزًا للموت، ولكن ليس بمعنى تعفن الجسد وتحلله، وإنما كتحول وارتقاء منشود. للأسف، بمرور الوقت واندثار معظم أفكار الحضارة الفرعونية القديمة، ظل رمز الموت مرتبطًا بالرقم 13 ولكن بإيحاءات سلبية ومخيفة.

في اليابان، يعتبر نثر الملح فألاً حسنًا، ولكنه عكس ذلك في بقية أنحاء العالم. ومن الخرافات الأخرى التي يعتنقها اليابانيون حتى اليوم: امتناع الياباني عن الصفير ليلاً خوفًا من ظهور حية تلدغه، أو قص أظافره ليلاً خوفًا من ألا يكون مع والديه عندما يموت، وعدم الزواج من عسراء لأن هذا يجلب الطلاق.

كذلك، لطالما خشي الناس في معظم الثقافات القطط السوداء لارتباطها بساحرات العصور الوسطى وأعمالهن الشريرة وسحرهن الأسود. فمنذ ذلك الحين، يعتبر مرور قطة سوداء من أمامك أمرًا جالبًا للحظ السيئ. هذا على الرغم من أن المصريين القدماء كانوا يقدسون القطط السوداء. فقد كانت الإلهة باست متجسدة في صورة قطة أنثى سوداء. ثم أرادت بعض الديانات تخليص مجتمعاتها ومعتنقيها من جميع آثار الديانات الأخرى، فأوهمت شعوبها بأن القطط السوداء ليست إلا شياطين متنكرة ويجب قتلها.

الخرافات آفة صعب إبادتها

العالم يتحرك والحضارات تتقدم، ولكن تظل الخرافات جزءًا من ثقافاتنا، شئنا أم أبينا، لأن الطبيعة البشرية لا تتغير، والخرافات وتفسير الأمور الغامضة جزء من الطبيعة البشرية. الملفت أن هذه الموروثات الخرافية قد تتشابه من بلد لآخر بسبب تشابك الثقافات وتداخل الحضارات. وعلى الرغم من إنكارنا لوجودها، فإنها ثابتة ومترسخة في حياتنا لدرجة أننا عادةً ما لا نلاحظ أن بعضًا من أكثر سلوكياتنا وتصرفاتنا شيوعًا هي جزء من خرافات نعتبرها بائدة.

كل يوم، ينجرف معظمنا وراء خرافة ما سواءٌ بالفعل أو بالتفكير. ستجد نفسك تقلب عملة معدنية لترى ما إن كنت ستفوز أم ستخسر. سترى رمشًا تحت عينك فتتساءل من سيزورك اليوم. ستضحك ملء قلبك فتتشاءم أن كارثة ستحل بك وتقول لنفسك: "اللهم اجعله خير". في الحقيقة، من الصعب أن تندثر الخرافات والخزعبلات بسهولة في أي عصر طالما أن الخوف وغياب الأمان يشوبانه. ولكن على كلٍ، لا يجب أن ندع مثل هذه الخرافات تسيطر على عقولنا وتصرفاتنا، وأن ندرك أن أفضل علاج هو التوكل على الله.