إهداء

.إلى من زرع الحب والحلم بين جفوني

أجمل البحار

.ذلك الذي لم يزره أحد بعد

أجمل الأطفال

.ذلك الذي لم يكبر بعد

أجمل أيامنا

.تلك التي لم نعشها بعد

أجمل الكلمات

.تلك التي لم أقلها بعد

02 August 2007

ملعونة بالهجر


لست أدري لماذا أريد أن أسرد هذه الحادثة القديمة. ربما لأنها خلفت ورائها جرحًا لن يندمل. ولست أدري كذلك لماذا تلح على ذهني هذه الأيام بالذات. ربما لأني توقفت عن النظر في المرآه، فصار العقل الباطن يجبرني على رؤية أشياء (بالعافية). ماذا في الحياة لا يحدث (بالعافية وغصبن عن نن عنيك)؟ ولكني أعتقد أن هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المشابهة المرتبطة بالثقة من عدمها هي السبب فيما استحلت إليه. لا أستطيع أن أثق في الناس بسهولة.

مس جميلة ميلاد. مدرسة اللغة الإنجليزية. كانت أقرب المدرسات في سنة أولى ثانوي إلى قلبي، وهي كانت تعشقني. ولست أبالغ حين أقول إنها كانت أحد الأسباب التي جعلت فتيات كثيرات يحاولن إبعادي عن شلتهن. بالنسبة لي، كانت مس جميلة ميلاد السبب الوحيد الذي يجلعني أصحو من نومي وأذهب إلى مدرسة أكرهها وأحضر في الفصل مع مجموعة من الفتيات البلطجيات (لن أنسى مروة جزارين - كنا نسميها هكذا لأن والدها جزار - حين هددتني ذات مرة بساطور اللحمة). كانت مس جميلة ملاكًا. حتى جاء اليوم الذي كنت أخشاه. لا أعلم من الذي رماني بهذه اللعنة، لعنة الهجر المتواصل، على الرغم من أن لدي صديقتين مقربتين تعديتا المهلة التي يمنحني الزمن إياها قبل أن يسلبني من تعلقت بهم، وهما لمياء وسحر، فصداقتي بهما تعدت 15 عامًا. رقم قياسي بالمقارنة بالعلاقات الإنسانية الأخرى في حياتي

المهم، نعود لموضوعنا. معظم الفتيات في مدرستي الثانوية القديمة - كما هو الحال في معظم المدارس - بلا أدب ولا ذوق ولا أخلاق. وحدث ذات مرة أن طلبت مس جميلة من إحدى الفتيات أن تكف عن الثرثرة في أثناء شرح الدرس، ولكن الفتاة لم تتوقف عن الثرثرة، فصرخت مس جميلة في وجهها منفعلة كي تتوقف عن الكلام. لسوء الحظ، أقسم والله شهيد، كانت مس جميلة تحمل في يدها مسطرة تشرح بها ما سجلته على السبورة. وفي أثناء انفعالها، طارت المسطرة من يدها، ولكنها لم تصب الفتاة بالمرة، بل طارت واصطدمت بالنافذة ورائها، فأنا أجلس في المقعد الذي يجوارها مباشرةً وكنت أرى كل شيء بوضوح. وأقسم أن هذا ما حدث. ولكننا وجدنا الفتاة تصرخ وتقول: "آه يا عيني آه يا عيني!" طبعًا حيلة قديمة، ولكنها دائمًا تفلح.. للأسف.

وفُتح التحقيق مع مس جميلة.

وجاء محقق من الوزارة كي يحقق مع مس جميلة. وكان جزء من التحقيق أن يتحدث مع الشهود، وهم نحن الطلبة. فدخل وتحدث معنا وطمأننا ألا شيء سيحدث لمس جميلة، ولكنه يريد أن يعرف ما الذي حدث بالضبط. قامت الصديقة المقربة للفتاة التي اتهمت مس جميلة زورًا. وبالطبع اتهمتها زورًا هي الأخرى. ثم لما لم يجد المحقق شخصًا آخر يتحدث عن الحادثة، سألنا إن كان ثمة أحد يريد أن يتحدث معه على انفراد. فرفعت يدي أنا والصديقة المقربة للفتاة. لم أكن لأتخلى عن مس جميلة حتى لو خسرت الصداقات القليلة التي عقدتها في هذا الفصل. لن أتحدث عن الشرف والأمانة وشهادة الحق هنا. كل ما كان يهمني في هذا الموقف أن أبرئ مس جميلة بغض النظر عما يمكن أن يحدث لها أو لي أو لأي شخص. خرجت الصديقة المقربة أولاً مع المحقق ليتحدثا أمام الفصل. وتُركت وحدي مع بقية زميلاتي.. نظرات عيونهن نيران. وسمعت الفتاة تقول: "أنا هاقضي على مس جميلة ديه وأخليها تسيب المدرسة، عشان تحرم تبقى تزعقلي تاني". ثم نظرت لي وتابعت: "وأما أشوف مين بقى يقدر يساعدها". لم يهزني كلامها. كنت على استعداد لتحدي أي شخص من أجل إنسانة أحبها وأحترمها.

وجاء دوري. دخل المحقق وطلبني. خرجت وفوجئت بمس جميلة تقف أمام الفصل هي الأخرى. وبعد أن دخلت الصديقة المقربة "للضحية المزعومة"، ابتعد بي المحقق عن مس جميلة وطلب مني أن أحكي له كل شيء دون خوف، تحدثت عن الحقيقة. أتعتقدون أنني فتانة؟ ربما. ولكن كي أنقذ شخصًا أحترمه، كنت على استعداد للتضحية بأي شيء. وتحدثت عن الحقيقة، وذكرت له أن مس جميلة مظلومة وأن الفصل غاية في السلبية والجميع يعرف الحقيقة. تحدثت وتحدثت وكل ذلك ومس جميلة تقف من بعيد تراقبنا. كانت على ثقة - بلا شك - أنني في صفها. أنني معها. أساندها. ولكن القدر كان قد رسم بالفعل نهاية علاقتي بمُدرستي العزيزة.

بعد مرور ثلاثة أيام، ظهرت مس جميلة بالفصل ثانية بعد غياب. كنت في قمة سعادتي. ولكنها كانت قاطبة الوجه! نظرت إليها وحاولت أن أجعلها تنظر إلي كما اعتادت أن تفعل دائمًا. ما كانت تهتم باحترام أحد سواي. ما كانت تحظى بانتباه أحد الكامل سواي. رفعت يدي كي أجيب عن سؤال، ولكنها تجاهلتني كليةً. مرة. اثنتان. ثلاثة. أربعة. وأخيرًا، لما رأتني مصممة، أشاحت بيدها في غضب وقالت في لهجة حادة: "اتفضلي سمعينا". سقطت الإجابة من فمي، وسقط معها قلبي إلى سابع أرض. مس جميلة! أنا مروة! ألا تريني؟! صرخت ثانية: "متنطقي ولا اتخرستي دلوقت". رأيت نظرات الفتيات المُسلطة عليّ. ما هذا؟ أهي مزحة؟ مقلب؟ ماذا يجري؟

تكررت المأساة يومين آخرين. وفي اليوم الثالث، لجأت إلى صديقتي المقربة (سحر)، وكنت معتادة أن أحكي لها عن كل شيء، وطلبت منها أن تذهب تحدث مس جميلة لتعرف منها سبب معاملتها الجافية تجاهي. وبالفعل، ذهبت سحر لتتحدث مع مس جميلة في فترة البريك أو الفسحة. وقبل انتهاء البريك بخمس دقائق خرجت إليّ سحر من غرفة المدرسين وقالت: "مصيبة!" سألتها عما حدث.

كانت الطامة الكبرى عندما عرفت بما وقع.

المحضر الذي أعده محقق الوزارة ذكر فيه أن ثمة فتاتين فقط تتهمان مس جميلة بالاعتداء على الطالبة زميلتهما بالضرب. وذكر الاسمين. اسمي واسم الصديقة المقربة للفتاة

ماذا أقول؟ هرعت إلى مس جميلة أشرح لها الحقيقة، ولكنها لم تنصت لي، وقالت: "هل أصدقك وأكذب محقق الوزارة؟" مس جميلة يجب أن تصدقيني، لأني قلت الحقيقة. قبل أن أشهد بالحق أنا قلت الحقيقة قبل كل شيء. يا رب! أهذا جزاء من يقول الحقيقة؟ مس جميلة! اسمعيني! ولكنها سدت أذنيها ورحلت. ومن يومها لم أرها في المدرسة

هذا مثال على حوادث كثيرة مماثلة وقعت في حياتي نزعت عني الثقة في أي مخلوق. وصرت مع مرور الوقت أعتبر علاقتي بالناس مؤقتة. ففي يوم من الأيام، بسبب لعنة ما، سيفارقونني. حتمًا سيفارقونني.
لهذا، أعتذر لهم، إذا مسهم شيء من لعنتي. وأعتذر إن تجنبت من يحاولون أن يدخلوا حياتي، لأنني صرت أخشى التعلق بالناس كي لا يجرحوني بالهجر والفراق. وفضلت أن أتعايش مع لعنتي

2 comments:

lol said...

أولا أحب أقولك إن اللبلوج جميلة جداً ومواضيعها متنوعة وعجباني كلها خصوصاً الموضوع اللي كان عن السيكولوجي (الغضب والحاجات دي) والموضوع اللي عن الأحلام والموضوع بتاع ياني

ثانياً بالنسبة للموضوع ده
فأنا مش عارف أقولك إيه
يمكن أنا كنت ناقشت الموضوع ده مع سكار جيرل قبل كده
موضوع مشاغل الدنيا وان اصخابنا اللي اتعودو يبقوا اصحابنا بعد فترة ومع مرور الأيام ومشاغل الدنيا والشغل بره مصر وجوه مصر والجواز والذي منه الواحد بيلاقي نفسه لوحده
أنا شخصياً عودت نفسي على كده واختلات ان اقرب اصدقائي لي يكون نفسي على أساس اني مبفارقنيش خالص وبالتالي عمر مهنشغل عني
المفاجأة إني بعد تلات أربع سنين لقيت نفسي عايز أكلم حد غيري
إصحابي موجودين زي ما هما بس مين قال انهم ممكن يسمعوا أو يهتموا وكل واحد منهم عنده مشاكله الي مكفياه وزياده

اللي عايز أقوله ان دي زي ما بيقولوا سنة الحياة
كان نفسي أقولك حل بس مش لاقي لأن أنا عندي نفس المشكلة بس ممكن تعتبري كلامي نوع من العلاج لاجماعي
lol

يعني امبارح مثلاً عرفت بالصدفة ان صاحبي الانتيم خطب من تلات شهور من غير ما يقولي لما قلتله قالي يا ابني الناسش كلها عارفه انت زاي متعرفش وحاجت زي كده عل الاقل انتي عرفتي ان صاحبتك اتجوزت
lol

بالنسبة لقصتك مع مس جميلة
فأنا شايف ان معلكيش لوم خالص في الموضوع
وهي كمان معزورة
وكان ممكن الموضوع يتحل لو اتصلتوا مثلاً بالمحقق عشان تتأكدوا من إنه صلح الغلطة اللي عملها

عموماً مفيش داعي إنك تعتقدي انك
ملعونة بالهجر) لأن ده مش حقيقي)
كل الناس بيعيشوا نفس المشكلة
واحب أطمنك ان صاحبتك الانتيم ممكن تنشغل عنك شوية وممكن انتي كمان تنشغلي عنها شوية لكن دايماً في حاجات هتجمعكوا مهو مش ممكن عمرها تلاقي حد يفهمها زيك ولا يحسها زيك ولا يحبها زيك أو يخاف على مصلحتها زيك وانتي كمان ممكن تكوني انشغلتي عنها شوية او تنشغلي عنها شوية بس مسيرك ترجعلها
فاكره موضوع (ادخل إلى عالمي)مش انتي كتبتي عنوان فقرة بيقول
"وإنني لأعيش بالذكرى"

ردي طويل وممكن يكون عبيط بس استريحت لما كتبته معرفش ليه

Marwa Hasan Abdel Salam, Translator said...

الحمد لله إن البلوج عجبك يا علي. فينك من زمان؟
فعلا الحياة بتاخد الواحد. لكن، أعتقد إن أهم شيء إننا نكون محتاجين لبعض. أنا كمان بقيت مشغولة جدا عن كل حاجة في الحياة. كويس إنك عمرك مبتفارق نفسك وعمرك مانشغلت عنها. بالنسبة لي، أنا مشغولة حتى عن نفسي. أيوة الدنيا مليانة مشاكل، أنا وسحر مثلا كنا دايما عندنا مشاكل، لكن كل واحدة فينا كانت بتحكيها للتانية مرة واحدة بس، بنرميها يعني، بعد كده بنعيش حياتنا بالشكل اللي بنحبه. للأسف ده معدش بيحصل دلوقت.
بالنسبة لحكاية مس جميلة، فهي مش موضوع المحقق أو غيره. المسألة إنك تحط ثقتك في حد، وتعرف إن المفروض الثقة تكون متبادلة، ولكن للأسف بتكون غلطان. وبعدين أنا فعلا معتقدة في فكرة إني ملعونة فعلا لإن مش ديه الحادثة الوحيدة. يا إما ديه لعنة، يا قدر. وأنا أفضل إنها تكون لعنة. لإن هيبقى صعب إني اتقبل قدر بالشكل ده.
عمومًا شكرا على ردك في أي وقت. وصدقني هيكون ليه قيمة كبيرة. إن مكنش في المضمون، يبقى في الهدف.
شكرا يا علي